
Nistmandialog.com
منظمة دیالوگ نیشتمان
خطوة نحو السلام.. مبادرة رمزية من حزب العمال الكردستاني تفتح باب الأمل لإنهاء النزاع
في مشهد رمزي قوي، ألقى نحو ثلاثين عضوًا من حزب العمال الكردستاني أسلحتهم أمام وسائل الإعلام وأحرقوها، في إشارة واضحة إلى الرغبة في إنهاء عقود من النزاع المسلح مع الدولة التركية، وفتح صفحة جديدة تستند إلى الحلول السياسية والحوار الديمقراطي.
جاء هذا الإعلان خلال مؤتمر صحفي عُقد في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، حيث ألقى قادة بارزون من الحزب كلماتهم باللغتين التركية والكردية، تحت صورة كبيرة لمؤسس الحزب، عبد الله أوجلان، المعزول في سجن جزيرة إمرالي منذ عام 1999. وقد أعلن أوجلان في بيان نُشر مؤخرًا أن "المرحلة المسلحة قد انتهت"، داعيًا إلى إنهاء وجود الحزب المسلح والتركيز على النضال السياسي ضمن الأطر الديمقراطية.
وفي كلمتها خلال المؤتمر، أوضحت القيادية في الحزب، بيسي هوزات، أن هذه الخطوة جاءت "بإرادة حرة"، وأن الهدف منها هو التمهيد لبداية جديدة، مؤكدة: "ندمّر الأسلحة لنفتح الطريق أمام عملية السلام. لكن لا يمكن لهذا المسار أن ينجح من دون إصلاحات دستورية وتشريعية تضمن حقوق الشعب الكردي داخل تركيا".
مطالب نحو تكامل ديمقراطي
طالب ممثلو الحزب بإجراء تعديلات قانونية تعزز التعددية، وتكرّس الحقوق الثقافية واللغوية للكرد داخل الدستور التركي، بما يضمن تمثيلهم ومشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية دون وصم أو تهميش. وفي تحول واضح عن الخطاب السابق، أكدت القيادات أن "الهدف لم يعد الانفصال أو تأسيس دولة مستقلة، بل بناء شراكة تركية-كردية قائمة على الأخوة المتبادلة والعدالة الاجتماعية".
ترحيب رسمي وتحفظ شعبي
رحبت الدول الغربیة ،والمظمات المجتمع المدنی فی العالم الدیموقراطی والدول المجاورة وکذلک الحكومة التركية بالخطوة، حيث وصف مسؤول بارز في أنقرة إلقاء السلاح بأنه "تحول لا رجعة فيه نحو إنهاء حقبة العنف". كما اعتبر المتحدث باسم الحكومة، عمر جليك، أن "تركيا تخطو خطوة أولى نحو مستقبل خالٍ من الإرهاب"، لكنه شدد على ضرورة حل حزب العمال الكردستاني بشكل كامل، من جانبه، أشاد زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، الحليف القومي للرئيس رجب طيب أردوغان، بما اعتبره "تصرفًا مسؤولًا وواقعيًا"، معتبرًا أن أوجلان "استوعب حجم التحديات الإقليمية والدولية في الوقت المناسب".
سياق تاريخي مشحون
يُشار إلى أن حزب العمال الكردستاني يخوض منذ عام 1984 صراعًا مسلحًا مع الدولة التركية، مطالبًا بحقوق الأكراد السياسية والثقافية. وقد أسفر هذا النزاع عن سقوط أكثر من 40 ألف قتيل من الجانبين، فيما صنّفت أنقرة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الحزب كمنظمة إرهابية.
شهدت السنوات الماضية محاولات متكررة لإطلاق عملية سلام، أبرزها في العقد الثاني من القرن الحالي، إلا أن جهود الوساطة انهارت بعد أن أعلن الحزب "الحكم الذاتي" في بعض مدن الجنوب الشرقي عام 2015، ما دفع القوات التركية للرد بعمليات عسكرية واسعة سُميت بـ"حرب الخنادق".
تحديات وثغرات أمام الاستقرار
رغم الترحيب الرسمي، لا يزال انعدام الثقة يخيّم على أجواء الحوار. فالمعارضة القومية في تركيا ترفض بشكل قاطع أي تفاهم مع الحزب، وتعتبر هذه التحركات "خيانة وطنية"، فيما يخشى ناشطون أكراد من أن تُستغل هذه المبادرة الرمزية دون تحقيق أي تغييرات فعلية على الأرض.
مناشدة للضمير الإنساني والمجتمع الدولي
في ظل هذا الواقع، يدعو نشطاء ومنظمات حقوقية إلى النظر بجدية في مطالب الأكراد، والعمل على وقف تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاع، خاصة تلك التي تُستخدم في استهداف المدنيين. ويشددون على أن الوقت قد حان لتفكيك منطق الحرب، وإنهاء معاناة شعب مسالم طالما وجد نفسه عالقًا بين فكيّ آلة الحرب والتجاذبات السياسية.
إن الشعب الكردي، الذي يطالب منذ عقود بحقوقه الثقافية والسياسية في إطار الدولة، يستحق اليوم فرصة حقيقية للعيش بسلام وكرامة. ولعل هذه المبادرة الرمزية تمثل بارقة أمل، يمكن البناء عليها لحلّ واحد من أكثر النزاعات تعقيدًا في الشرق الأوسط.